فصل: فَصْلٌ: (مَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [شَهَادَةِ الْفَرْعِ والْأَصْلِ]:

(وَلَا يَجِبُ عَلَى شَهَادَةِ فَرْعٍ تَعْدِيلُ) شَاهِدِ (أَصْلٍ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ، فَيَبْحَثُ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْرِفَا عَدَالَتَهُمَا وَيَتْرُكَاهَا، اكْتِفَاءً بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، مِنْ عَدَالَتِهِمَا. (وَيُقْبَلُ) مِنْ شَاهِدِ الْفَرْعِ (تَعْدِيلُهُ)؛ أَيْ: تَعْدِيلُ أَصْلِهِ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (بِمَوْتِهِ)؛ أَيْ: الْأَصْلِ (وَغِيبَتِهِ) وَمَرَضِهِ. وَلَا يُقْبَلُ (تَعْدِيلُ شَاهِدٍ لِرَفِيقِهِ) بَعْدَ شَهَادَتِهِ أَصْلًا كَانَ أَوْ فَرْعًا، لِإِفْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فَلَوْ كَانَ زَكَّاهُ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ شَهِدَ؛ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ. (وَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدُ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَتَعَذَّرَ) الْأَصْلُ الْآخَرُ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ (حَلَفَ) مَشْهُودٌ لَهُ (وَاسْتَحَقَّ) مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ أَصْلُهُمَا (وَإِذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ؛ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا، لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ. (وَيَضْمَنُ شُهُودُ فَرْعٍ) مَحْكُومًا بِهِ يَتْلَفُ بِشَهَادَتِهِمْ (بِرُجُوعِهِمْ بَعْدَ حُكْمٍ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ؛ كَمَا لَوْ بَاشَرُوا التَّلَفَ بِأَيْدِيهِمْ (مَا لَمْ يَقُولُوا: بَانَ لَنَا كَذِبُ الْأُصُولِ أَوْ غَلَطُهُمْ) فَلَا يَضْمَنُونَ إذْ لَا رُجُوعَ عَنْ شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْأُصُولِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لَمْ يَضْمَنُوا؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ) وَلَمْ يُلْجِئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ ضَمَانٌ كَالْمُتَسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ (إلَّا إنْ قَالُوا: كَذَبْنَا، وَقَالُوا: غَلِطْنَا) فَيَلْزَمهُمْ الضَّمَانُ؛ لِاعْتِرَافِهِمْ بِتَعَمُّدِ الْإِتْلَافِ بِقَوْلِهِمْ كَذَبْنَا أَوْ بِخَطَئِهِمْ بِقَوْلِهِمْ غَلِطْنَا. (وَإِنْ قَالَا)؛ أَيْ: شَاهِدَا الْأَصْلِ (بَعْدَهُ؛ أَيْ الْحُكْمِ مَا أَشْهَدْنَاهُمَا)؛ أَيْ: الْفَرْعَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا شَهِدَا بِهِ عَلَى شَهَادَتِنَا (لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ) لَا شَاهِدَا الْأَصْلِ وَلَا شَاهِدَا الْفَرْعِ شَيْئًا مِمَّا حَكَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كِذْبُ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ، وَلَا رُجُوعُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ إذْ الرُّجُوعُ. إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، وَهُمَا أَنْكَرَا أَصْلَ الشَّهَادَةِ (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفِي لِلشُّرُوطِ (وَلَا رُجُوعَ عَلَى مُسْتَوْفٍ حَقَّهُ) الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ إذْ لَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ الْإِشْهَادَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.فَصْلٌ: [مَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ]:

(وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ) كَأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ: هِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ (أَوْ نَقَصَ) فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: هِيَ تِسْعُونَ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ إلَيْهِ (لَا بَعْدَ حُكْمِ) حَاكِمٍ بِشَهَادَتِهِ؛ قُبِلَ نَصًّا، وَحَكَمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَخِيرًا، لِأَنَّهَا شَهَادَةُ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُخَالِفُهَا، وَلَا تُعَارِضُهَا الشَّهَادَةُ الْأُولَى لِبُطْلَانِهَا بِرُجُوعِهِ عَنْهَا. (أَوْ أَدَّى) الشَّهَادَةَ (بَعْدَ إنْكَارِهَا) بِأَنْ شَهِدَ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَهَادَةٌ، وَقَالَ كُنْت أُنْسِيتهَا؛ قُبِلَ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} فَقَبِلَهَا بَعْدَ إثْبَاتِ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ فِي حَقِّهَا، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ؛ لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ بِتَقَادُمِ عَهْدِهَا (وَكَذَا قَوْلُهُ: لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ، ثُمَّ شَهِدَ) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ عَمَّا قَبْلَهَا. (وَإِنْ رَجَعَ) شَاهِدٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ حُكْمٍ بِهَا (لَغَتْ) شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْهَا يُوجِبُ ظَنَّ بُطْلَانِهَا، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا مَعَ ظَنِّهِ (وَلَا) يَجُوزُ (حُكْمٌ) بِشَهَادَةٍ بَعْدَ رُجُوعٍ عَنْهَا (وَلَوْ أَدَّاهَا بَعْدُ، وَلَمْ يَضْمَنْ) رَاجِعٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ (وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ) شَاهِدٌ (بِرُجُوعٍ) عَنْ شَهَادَتِهِ (بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ تَوَقَّفْ) عَنْ الْحُكْمِ، فَتَوَقَّفَ الْحَاكِمُ عَنْهُ (ثُمَّ أَعَادَهَا)؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ (قُبِلَتْ) لِاحْتِمَالِ زَوَالِ رِيبَةٍ عَرَضَتْ لَهُ، وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِعَادَةِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ، أَوْ) رَجَعَ شُهُودُ (عِتْقٍ بَعْدَ حُكْمٍ بِشَهَادَتِهِمْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ أَوْ بَعْدَهُ؛ لَمْ يُنْقَضُ) الْحُكْمُ؛ لِتَمَامِهِ وَوُجُوبِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ، وَرُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يَنْقُضُهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ قَالُوا: عَمَدْنَا فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفِسْقِ؛ فَهُمَا مُتَّهَمَانِ بِإِرَادَةِ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ فَاسِقَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْفِسْقِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا لَمْ يَلْزَمْ نَقْضُهُ أَيْضًا؛ لِجَوَازِ خَطَئِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ الثَّانِي، بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْحَالُ (وَيَضْمَنُونَ) بَدَلَ مَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الْمَالِ، قُبِضَ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ، قَائِمًا كَانَ أَوْ تَالِفًا، وَقِيمَةَ مَا شَهِدُوا بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفُوهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُصَدِّقُهُمْ) عَلَى بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ (مَشْهُودٌ لَهُ؛ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ (مَا أَخَذَهُ) مِنْ مَالِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ شَيْئًا بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ (أَوْ مَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِدَيْنٍ فَيَبْرَأُ مِنْهُ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَا) عَنْ شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى سَيِّدِ عَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى مِائَةٍ، وَهِيَ قِيمَتُهُ، ثُمَّ رَجَعَا، لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ شَيْئًا. (وَلَوْ قَبَضَهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنَ الْمَشْهُودَ بِهِ (مَشْهُودٌ لَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَا) عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِهِ (غَرِمَاهُ لِمَشْهُودٍ عَلَيْهِ) كَمَا لَوْ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ هِبَتِهَا إيَّاهُ لِلزَّوْجِ. (وَلَا يَغْرَمُ مُزْكٍ شَيْئًا بِرُجُوعِ مُزْكٍ) عَنْ، شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لَا الْمُزَكِّينَ، لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِظَاهِرِ حَالِ الشُّهُودِ، وَأَمَّا بَاطِنُهُ فَعِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ حُكْمٍ شُهُودُ طَلَاقٍ غَرِمُوا) إنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ (قَبْلَ دُخُولٍ نِصْفَ الْمُسَمَّى) أَوْ غَرِمُوا بَدَلَهُ، وَهُوَ الْمُتْعَةُ إنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ؛ لِإِلْزَامِهِمْ إيَّاهُ بِشَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقِهَا، كَمَا يَغْرَمُهُ مَنْ فَسَخَ نِكَاحَهُ لِنَحْوِ رَضَاعٍ قَبْلَ دُخُولٍ، وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَهُ؛ أَيْ: الدُّخُولِ- فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا فِي الْأَشْهَرِ.
قَالَ فِي النُّكَتِ هَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ والْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى ومُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَرِّرُوا عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِتَقَرُّرِهِ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ، وَلَمْ يُخْرِجُوا عَنْ مِلْكِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجُوا الْبُضْعَ عَنْ مِلْكِهِ بِقَتْلِهَا، أَوْ أَخْرَجَتْهُ هِيَ بِرِدَّتِهَا (وَعَنْهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يَغْرَمُونَ)؛ أَيْ: الرَّاجِعُونَ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ (كُلَّ الْمَهْرِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا عَلَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ بِرُجُوعِهِمْ عَنْ الشَّهَادَةِ (وَهُوَ)؛ أَيْ: الْقَوْلُ بِالْغُرْمِ (قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ) قَالَ فِي النُّكَتِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ. (وَإِنْ) شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْقِنَّ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ وَنَحْوُهُ، وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ (رَجَعَ شُهُودُ قَرَابَةٍ وَشُهُودُ شِرَاءٍ) عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِقِيمَةِ الْعَتِيقِ (عَلَى شُهُودِ الْقَرَابَةِ) لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُفَوِّتُونَ عَلَيْهِ الْقِنَّ، دُونَ شُهُودِ الشِّرَاءِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ قَوَدٍ أَوْ) رَجَعَ شُهُودُ (حَدٍّ بَعْدَ حُكْمٍ) بِشَهَادَتِهِمْ (وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ؛ لَمْ يُسْتَوْفَ) قَوَدٌ وَلَا حَدٌّ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ لَا سَبِيلَ إلَى جَبْرِهَا إنْ اُسْتُوْفِيَتْ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ رُجُوعَهُمْ شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا، وَالْقَوَدُ فِي مَعْنَاهُ (وَوَجَبَتْ دِيَةُ قَوَدٍ) شَهِدُوا بِهِ لِمَشْهُودٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، فَإِذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَيَرْجِعُ غَارِمٌ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ دِيَةٍ عَلَى الشُّهُودِ (وَإِنْ اُسْتُوْفِيَ) قَوَدٌ أَوْ حَدٌّ حُكِمَ بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ (ثُمَّ قَالُوا: أَخْطَأْنَا؛ عُزِّرُوا، وَغَرِمُوا دِيَةَ مَا تَلِفَ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا (أَوْ أَرْشِ الضَّرْبِ نَصًّا لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَيُقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ) لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْ جَمِيعِهِمْ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جَمَاعَةٌ مَالًا (فَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَعَشْرَةُ نِسْوَةٍ) شَهِدُوا فِي مَالٍ غَرِمَ الرَّجُلُ (سُدُسًا وَهُنَّ)؛ أَيْ: النِّسْوَةُ الْعَشَرَةُ الْبَقِيَّةُ كُلَّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ سُدُسٍ (وَكَذَا رَضَاعٌ) شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ، ثُمَّ وَزَّعَ نِصْفَ الصَّدَاقِ عَلَيْهِمْ، عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُهُ، وَعَلَيْهِنَّ الْبَقِيَّةُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةٍ) فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا (ثُمَّ رَجَعَ بَعْدِ حُكْمٍ: وَاحِدٌ عَنْ مِائَةٍ، وَرَجَعَ: آخَرُ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَرَجَعَ: الثَّالِثُ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَرَجَعَ: الرَّابِعُ عَنْ الْأَرْبَعِمِائَةِ) فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا رَجَعَ عَنْهُ بِقِسْطِهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) رُبْعُ الْمِائَةِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ (وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ) رُبْعُ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رَجَعَ عَنْهُمَا، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ) رُبْعُ الثَّلَاثِمِائَةِ (وَعَلَى الرَّابِعِ مِائَةٌ) رُبْعُ الْأَرْبَعِمِائَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رُبْعَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِزِنَا) فَرُجِمَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهُ (أَوْ شَهِدَ) أَرْبَعَةٌ بِزِنَا (وَاثْنَانِ) مِنْ غَيْرِهِمْ (بِإِحْصَانِ زَانٍ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا)؛ أَيْ: السِّتَّةُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ (لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا) لِأَنَّهُ قُتِلَ بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ؛ الشُّهُودُ (خَمْسَةً بِزِنَا فَأَخْمَاسًا) يَغْرَمُونَ دِيَتَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ)؛ أَيْ: الشُّهُودِ (غَرِمَ بِقِسْطِهِ مَعَ حَدِّهِ) لِلْقَذْفِ، فَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةٍ سُدُسٌ، وَمِنْ خَمْسَةٍ خُمُسٌ، وَهَكَذَا. (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَا، وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ؛ فَرُجِمَ؛ ثُمَّ رَجَعُوا؛ فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ وَالزِّنَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) ثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالْإِحْصَانِ، وَثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا (وَعَلَى الْآخَرَيْنِ ثُلُثُهَا) لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا وَحْدَهُ. (وَإِنْ رَجَعَ زَائِدٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ) كَأَنْ شَهِدَ خَمْسَةٌ بِزِنَا، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ (قَبْلَ حُكْمٍ أَوْ بَعْدَهُ؛ اُسْتُوْفِيَ) حَدُّ الزِّنَا؛ لِبَقَاءِ نِصَابِهِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ (وَيُحَدُّ الرَّاجِعُ) مِنْهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ (لِقَذْفِهِ) الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا (مَعَ غُرْمِهِ بِقِسْطٍ؛ فَيَغْرَمُ خَامِسٌ رَجَعَ فِي) شَهَادَةِ (زِنَا خُمُسًا) مِنْ دِيَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ زِنَا) دُونَ إحْصَانٍ، غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ رُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَشَرْطٌ لَا مُوجِبٌ، أَوْ رَجَعَ شُهُودُ (إحْصَانٍ) فَقَطْ (غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً) لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ إذْ لَوْلَا ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ؛ لَمْ يَجِبْ الْقَتْلُ. (وَرُجُوعُ شُهُودِ تَزْكِيَةٍ كَرُجُوعِ مَنْ زَكَّوْهُمْ) مِنْ الْمَسَائِلِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ تَعْلِيقِ عِتْقٍ) وَشُهُودُ شَرْطِهِ، وَرَجَعَ شُهُودُ تَعْلِيقِ (طَلَاقٍ) قَبْلَ دُخُولٍ، وَرَجَعَ (شُهُودُ شَرْطِهِ) الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (غَرِمُوا) قِيمَةَ الْعَتِيقِ أَوْ نِصْفَ الصَّدَاقِ (بِعَدَدِهِمْ) كَشُهُودِ الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّ شُهُودَ التَّعْلِيقِ كَشُهُودِ الزِّنَا، وَشُهُودُ شَرْطِهِ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ. (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ كِتَابَةٍ؛ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ)؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْكِتَابَةِ (قِنًّا وَمُكَاتَبًا) لِنَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْقِنِّ الْحَاصِلِ بِشَهَادَتِهِمْ (فَإِنْ عَتَقَ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِهَا بِأَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ؛ فَعَلَيْهِمْ غُرْمُ (مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قِنًّا وَمَالِ كِتَابَةٍ) إنْ نَقَصَ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ. (وَإِنْ شَهِدُوا بِتَأْجِيلِ نَحْوِ ثَمَنِ) مَبِيعٍ كَأُجْرَةٍ (وَحَكَمَ بِهِ) الْحَاكِمُ (ثُمَّ رَجَعُوا؛ غَرِمُوا تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ) لِأَنَّهُ فَاتَ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِمْ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا (بِاسْتِيلَادِ أَمَةٍ)؛ ثُمَّ رَجَعُوا، فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ نَقْصَ قِيمَتِهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قِنًّا وَأُمَّ وَلَدٍ (فَإِذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا) فَيَغْرَمُونَ (تَمَامَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوهَا بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِعِتْقِهَا ابْتِدَاءً. (وَلَا ضَمَانَ بِرُجُوعِ شُهُودٍ عَنْ شَهَادَةِ كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا)؛ أَيْ: الْكَفَالَةِ بِنَفْسٍ أَوْ رُجُوعٍ عَنْ شَهَادَةٍ أَنَّهَا؛ أَيْ: فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانَةَ (زَوْجَتُهُ) أَوْ رُجُوعِ شُهُودٍ عَلَى وَلِيِّ دَمٍ (أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمٍ عَمْدٍ)؛ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ؛ أَيْ: الْمَشْهُودِ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَالًا، قَالَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَضَمَّنُ الْمَالَ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ بِهِ مَالٌ (وَيَتَّجِهُ وَتَثْبُتُ كَفَالَةٌ وَزَوْجِيَّةٌ) وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالْوَفَاءِ وَالزَّوْجَةُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ بَاطِنًا كَمَا لَوْ شَهِدُوا؛ فَقَدْ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَى مَكْفُولٍ لَهُ تَكْلِيفُ الْكَفِيلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا، وَيَكُونُ زَانِيًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ الْبَاطِنَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ الْأُولَى) كَأَنْ شَهِدَ بِقَرْضٍ، وَحُكِمَ بِهِ، ثُمَّ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَفَّاهُ قَبْلُ (فَكَرُجُوعٍ) عَنْ شَهَادَتِهِ (وَأَوْلَى) بِالضَّمَانِ مِنْ الرُّجُوعِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي شَاهِدٍ قَاسَ بَلَدًا وَكَتَبَ خَطَّهُ بِالصِّحَّةِ، فَاسْتَخْرَجَ الْوَكِيلُ عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ قَاسَ وَكَتَبَ خَطَّهُ بِزِيَادَةٍ)، فَغَرِمَهَا أَيْ: الزِّيَادَةَ (الْوَكِيلُ)؛ يَضْمَنُهَا الشَّاهِدُ (لِحُصُولِ غُرْمِ الزِّيَادَةِ بِسَبَبِهِ)، تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَوْ أَخْطَأَ كَالرُّجُوعِ. (وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ؛ غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ حُجَّةُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ، فَجَرَى مَجْرَى طَلَبِ الْحُكْمِ. وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى آخَرَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِصَدَاقٍ مُعَيَّنٍ وَآخَرَانِ بِدُخُولِهِ بِهَا ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا؛ غَرِمَهُ شُهُودُ النِّكَاحِ، دُونَ الدُّخُولِ، لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ شَهِدَ مَعَ ذَلِكَ آخَرَانِ بِالطَّلَاقِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ بَانَ بَعْدَ حُكْمٍ كُفْرُ شَاهِدٍ بِهِ)؛ أَيْ: الْحُكْمِ (أَوْ بَانَ فِسْقُهُمَا، أَوْ بَانَ أَنَّهُمَا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ)؛ أَيْ: الْمَحْكُومِ لَهُ، (أَوْ) بَانَ أَنَّهُمَا (عَدُوَّاهُ)؛ أَيْ: عَدُوَّا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (نُقِضَ) لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ (وَلَمْ يَنْفُذْ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ أَشْبَهَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ (وَلَا غُرْمَ) عَلَى الشَّاهِدَيْنِ (وَرَجَعَ بِمَالٍ قَائِمٍ) أَوْ بِبَدَلِهِ (إنْ تَلِفَ عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ) (وَرَجَعَ بِبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ) لِنَقْضِ الْحُكْمِ؛ فَيَرْجِعُ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافِ حَيٍّ كَرَجْمٍ) فِي زِنَا وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ (أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ كَجَلْدٍ) فِي شُرْبٍ سَرَى إلَى النَّفْسِ (لَمْ يَضْمَنْ شُهُودٌ) لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَنَّهُمْ صَادِقُونَ (فِي شَهَادَتِهِمْ) وَإِنَّمَا الشَّرْعُ مَنَعَ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ، بِخِلَافِ الرَّاجِعِ، لِاعْتِرَافِهِ بِكَذِبِهِ (بَلْ يَضْمَنُ مُزَكُّونَ إنْ كَانُوا) لِتَعَذُّرِ رَدِّ مَحْكُومٍ بِهِ. وَشُهُودُ التَّزْكِيَةِ أَلْجَئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ)، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ (وَإِلَّا) يَكُنْ مُزَكُّونَ فَحَاكِمٌ (أَوْ كَانُوا)؛ أَيْ: الْمُزَكُّونَ (فَسَقَةً فَحَاكِمٌ) يَضْمَنُ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ حُكْمُهُ، وَقَدْ فَرَّطَ بِتَرْكِهِ التَّزْكِيَةَ. (وَإِذَا عَلِمَ حَاكِمٌ شَاهِدَ زُورٍ بِإِقْرَارِهِ) عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ (أَوْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ كَشَهَادَتِهِ بِقَتْلِ شَخْصٍ وَهُوَ حَيٌّ) أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ لِفُلَانٍ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، وَسِنُّهَا دُونَهَا (أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ) كَذَا، وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَعَلِمَ تَعَمَّدَهُ لِذَلِكَ (عَزَّرَهُ حَاكِمٌ، وَلَوْ تَابَ) كَمَنْ تَابَ مِنْ حَدٍّ بَعْدَ رَفْعِهِ لِحَاكِمٍ. وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} وَرَوَى أَبُو بَكْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، وَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا يَتَقَدَّرُ تَعْزِيرُهُ، بَلْ يَكُونُ (بِمَا يَرَاهُ حَاكِمٌ مِنْ جَلْدٍ أَوْ حَبْسٍ) أَوْ كَشْفِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ (مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا أَوْ مَعْنَاهُ) كَحَلْقِ لِحْيَةٍ، أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ (وَطَيْفٍ بِهِ)؛ أَيْ: بِشَاهِدِ الزُّورِ (فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا) كَإِيقَافِهِ فِي سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ وَنَحْوِهَا وَيُنَادَى عَلَيْهِ (فَيُقَالُ إنَّا وَجَدْنَاهُ شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوهُ) وَنَحْوَهُ. (وَلَا يُعَزَّرُ) (شَاهِدٌ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا (وَلَا بِغَلَطِهِ فِي شَهَادَتِهِ) لِأَنَّ الْغَلَطَ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ، وَلَا يَتَعَمَّدُهُ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يُعَزَّرُ شَاهِدٌ (بِرُجُوعِهِ) عَنْ شَهَادَتِهِ، لِاحْتِمَالِ، أَنَّهُ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يُعَزَّرُ (لِظُهُورِ فِسْقِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ، وَمَتَى ادَّعَى شُهُودُ قَوَدٍ خَطَأً؛ عُزِّرُوا. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ.
فَصْل:
(وَلَا تَقْبَلُ الشَّهَادَةُ) مِنْ نَاطِقٍ (إلَّا بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ بِلَفْظِ شَهِدْت) لِأَنَّهُ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ شَهَادَةً، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَلِذَلِكَ اُخْتُصَّتْ بِاللِّعَانِ، وَتَقَدَّمَ لَوْ أَدَّاهَا أَخْرَسُ بِخَطِّهِ قُبِلَتْ (فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ أَنَا شَاهِدٌ) بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا اتَّصَفَ بِهِ، كَقَوْلِهِ إنَّهُ مُحْتَمَلٌ شَهَادَةً عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، بِخِلَافِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْت بِكَذَا؛ فَإِنَّهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ (أَعْلَمُ أَوْ أُحِقُّ) أَوْ أَعْرِفُ أَوْ أَتَحَقَّقُ أَوْ أَتَيَقَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ. (وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِمَا وَضَعْت بِهِ خَطِّي، أَوْ قَالَ مَنْ تَقَدَّمَهُ غَيْرُهُ بِشَهَادَةٍ أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ وَالْإِبْهَامِ، وَلَوْ قَالَ (وَبِذَلِكَ) أَشْهَدُ أَوْ قَالَ (وَكَذَلِكَ أَشْهَدُ، صَحَّ) فِيهِمَا، لِاتِّضَاحِ مَعْنَاهُ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ (وَالشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَابْنُ الْقَيِّمِ: لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا نَعْلَمُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَقُولُ إنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا أَشْهَدُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ مَتَى قُلْت فَقَدْ شَهِدْت وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ قَالَ: وَهَلْ مَعْنَى الْقَوْلِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا وَاحِدٌ: وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْعِلْمُ شَهَادَةٌ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ. بَابٌ الْيَمِينُ فِي الدَّعَاوَى أَيْ: صِفَتَهَا وَمَا يَجِبُ فِيهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (وَهِيَ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ حَالًا)؛ أَيْ: عِنْدَ النِّزَاعِ (وَلَا تُسْقِطُ حَقًّا) فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بَعْدَهَا، وَإِنْ رَجَعَ حَالِفٌ، وَأَدَّى مَا عَلَيْهِ؛ قُبِلَ مِنْهُ، وَحَلَّ لِمُدَّعٍ أَخْذُهُ (وَيُسْتَحْلَفُ مُنْكِرٌ) تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ (فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ) لِحَدِيثِ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ؛ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» (غَيْرَ نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ) إلَّا إذَا أَنْكَرَ مُولٍ مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ (وَغَيْرُ وَلَاءٍ وَاسْتِيلَادٍ) فَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ، فَتُنْكِرُهُ، وَقَالَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ (وَغَيْرُ نَسَبٍ وَقَذْفٍ وَأَصْلِ رِقٍّ كَدَعْوَى رَقِّ لَقِيطٍ) وَمَجْهُولِ نَسَبٍ؛ فَلَا يُسْتَحْلَفُ إذَا أَنْكَرَ (وَغَيْرَ قِصَاصٍ فِي غَيْرِ قَسَامَةٍ) فَلَا يَمِينَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ. (وَيَقْضِي فِي مَالٍ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ بِنُكُولٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ. وَغَيْرُ ذَلِكَ يُخَلِّي سَبِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي اللِّعَانِ إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ، وَنَكَلَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا، أَوْ تُلَاعِنَ وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يُسْتَحْلَفُ مُنْكِرٌ فِي حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ) زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ (لَا يَتَضَمَّنُ مَالًا، وَتَعْزِيرٍ) لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا، ثُمَّ رَجَعَ، قُبِلَ مِنْهُ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ بِلَا يَمِينٍ، فَلِئَلَّا يُسْتَحْلَفَ مَعَ عَدَمِ الْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ وَالتَّعْرِيضُ لِلْمُقِرِّ بِهِ لِيَرْجِعَ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَزَّالٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ». وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي (عِبَادَةٍ) كَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا فِي صَدَقَةِ زَكَاةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ (وَلَا فِي كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَشْبَهَ الْحَدَّ، (وَلَا) يُسْتَحْلَفُ (شَاهِدٌ) وَلَا حَاكِمٌ (أَنْكَرَ) الشَّاهِدُ (شَهَادَتَهُ) أَوْ شَهِدَ، وَطَلَبَ يَمِينَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ، وَلَا حَاكِمٌ أَنْكَرَ (حُكْمَهُ) أَوْ طَلَبَ يَمِينَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي حُكْمٍ بِحَقٍّ فَلَا يَحْلِفُ (وَلَا وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى مُوصٍ، وَلَا) يُسْتَحْلَفُ (مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا حَلَّفَنِي أَنِّي مَا أُحَلِّفُهُ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ، فَقَالَ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِنُكُولٍ؛ فَلَا فَائِدَةَ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ فِيهِ. (وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّتَهُ لِلْفُقَرَاءِ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ) أَنْ مُورِثَهُمْ وَصَّى بِهَا (حُلِّفُوا) عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ (فَإِنْ نَكَلُوا) عَنْ الْيَمِينِ (قَضَى عَلَيْهِمْ) بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِمَالٍ. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل غَيْرِهِ) كَأَنْ ادَّعَى أَنْ زَيْدًا غَصَبَهُ نَحْوَ ثَوْبٍ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَنَحْوَهُ، فَأَنْكَرَ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِدَعْوَاهُ، وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ، أَوْ حَلَفَ عَلَى (دَعْوَى عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ (فِي إثْبَاتٍ) كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى زَيْدٍ مِنْ نَحْوِ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ أَرْشٍ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ (أَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) كَمَنْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. (أَوْ حَلَفَ عَلَى دَعْوَى عَلَيْهِ) بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ- وَلَا بَيِّنَةَ- وَأَرَادَ يَمِينَهُ (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ)؛ أَيْ: الْقَطْعَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَالَهُ عِنْدِي شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ، فَأَنْكَرَ؛ فَيَحْلِفُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَا يَكْفِي وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهَا مِلْكِي. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ) كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنْ أَبَاهُ غَصَبَهُ، أَوْ سَرَقَ مِنْهُ كَذَا، فَأَنْكَرَ- وَلَا بَيِّنَةَ فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى (نَفْيِ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ) كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مُورِثِهِ، فَأَنْكَرَ- وَلَا بَيِّنَةَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ وَاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي اغْتَصَبَهَا أَبُوهُ، فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ الْإِحَاطَةُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ فَتَكْلِيفُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْبَتِّ؛ حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ (وَرَقِيقُهُ كَأَجْنَبِيٍّ فِي حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) فَمَنْ ادَّعَى أَنْ عَبْدَ زَيْدٍ جَنَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ رَبُّهُ- وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ جَنَى عَلَى الْمُدَّعِي (وَأَمَّا بَهِيمَتُهُ) إذَا اُدُّعِيَ أَنَّهَا جَنَتْ (فَمَا يُنْسَبُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِتَقْصِيرٍ وَتَفْرِيطٍ) فِيهِ (كَرَعْيِهَا زَرْعًا لَيْلًا) لِتَرْكِهِ إيَّاهَا بِلَا حَبْسٍ، فَيَحْلِفُ (عَلَى الْبَتِّ) بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ وَلَا فَرَّطَ، لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ (وَإِلَّا) يُنْسَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ بَهِيمَةٍ إلَى تَقْصِيرٍ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَرَاكِبِ) بَهِيمَةٍ (وَسَائِقٍ) وَقَائِدٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِوَطْئِهَا بِيَدِهَا، فَأَنْكَرَ- وَلَا بَيِّنَةَ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ. (وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَلِفٌ لِجَمَاعَةٍ) ادَّعُوا عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ نَحْوَهُ (حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا) لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمْ غَيْرُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ (مَا لَمْ يَرْضَوْا) جَمِيعُهُمْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ؛ فَيَكْفِي بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَقَدْ رَضَوْا بِإِسْقَاطِهِ، فَسَقَطَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُمْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بَعْضُهَا كَالْحُقُوقِ إذَا قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ لِجَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْضُ الْبَيِّنَةِ، (وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى وَاحِدٍ بِحُقُوقٍ؛ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ) إلَّا أَنْ تَتَّحِدَ الدَّعْوَى، فَيَحْلِفَ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا فِي الْمُبْدِعِ.

.فَصْلٌ: [الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ تُجْزِئُ]:

(وَتُجْزِئُ) الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} وَقَوْلِهِ: {فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} وَقَوْلِهِ {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ فَقَدْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ جَهْدَ الْيَمِينِ؛ «وَاسْتَحْلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ فِي الطَّلَاقِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً». وَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: تَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْته وَمَا بِهِ دَاءٌ تَعْلَمُهُ وَلِأَنَّ فِي اللَّهِ كِفَايَةً؛ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِاسْمِهِ فِي الْيَمِينِ. (وَلِحَاكِمٍ تَغْلِيظُهَا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ) وَهُوَ الْمِثْلُ فِي الْغُلُوِّ كَالْخَطِيرِ (كَجِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ قَوَدًا، أَوْ عِتْقٍ وَنِصَابٍ فِي زَكَاةٍ) لَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَتَغْلِيظُهَا يَكُونُ بِلَفْظٍ كَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الطَّالِبُ الْغَالِبُ (أَيْ: الْقَاهِرُ) الضَّارُّ النَّافِعُ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ؛ أَيْ: مَا يُضْمَرُ فِي النَّفْسِ، وَيَكُفُّ عَنْهُ اللِّسَانَ وَيُومَأُ إلَيْهِ بِالْعَيْنِ (وَمَا يُخْفِي الصُّدُورُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُهُمْ يُؤَكِّدُونَ الْيَمِينَ بِالْمُصْحَفِ، وَرَأَيْت ابْنَ مَازِنٍ قَاضِي صَنْعَاءَ يُغَلِّظُ الْيَمِينَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَتْرُكُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفِعْلِ ابْنِ مَازِنٍ وَلَا غَيْرِهِ (وَيَقُولُ يَهُودِيٌّ) غُلِّظَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ (وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ، وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَيَقُولُ نَصْرَانِيٌّ) غُلِّظَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ (وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى)، وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ (وَيَقُولُ مَجُوسِيٌّ وَوَثَنِيٌّ) فِي التَّغْلِيظِ (وَاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَصَوَّرَنِي) لِأَنَّهُ يُعَظِّمُ خَالِقَهُ وَرَازِقَهُ، أَشْبَهَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ (وَيَحْلِفُ صَابِئٌ) يُعَظِّمُ النُّجُومَ (وَمَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِاَللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَيَحْلِفْ بِاَللَّهِ». وَالتَّغْلِيظُ (بِزَمَنٍ كَبَعْدِ الْعَصْرِ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَيْ: صَلَاةِ الْعَصْرِ، لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى، وَتَقَدَّمَ (أَوْ بَيْنَ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) لِأَنَّهُ وَقْتٌ يُرْجَى فِيهِ إجَابَةُ الدُّعَاءِ فَتُرْجَى فِيهِ مُعَالَجَةُ الْكَاذِبِ بِالْعُقُوبَةِ وَالتَّغْلِيظِ (بِمَكَانٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ) لِزِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْفَضِيلَةِ (وَبِالْقُدْسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ) لِفَضِيلَتِهَا، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا: «هِيَ مِنْ الْجَنَّةِ» (وَبِبَقِيَّةِ الْبِلَادِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ فَلِيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَقِيسَ عَلَيْهِ بَاقِي مَنَابِرِ الْمَسَاجِدِ (وَتَقِفُ حَائِضٌ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا اللُّبْثُ فِيهَا (وَيَحْلِفُ ذِمِّيٌّ بِمَوْضِعٍ يُعَظِّمُهُ) كَمَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِنَصْرَانِيٍّ اذْهَبْ إلَى الْبَيْعَةِ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ: اذْهَبُوا بِهِ إلَى الْمَذْبَحِ (زَادَ بَعْضُهُمْ وَتُغَلَّظُ بِهَيْئَةٍ كَتَحْلِيفِهِ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) كَاللِّعَانِ (وَمَنْ أَبَى تَغْلِيظًا) بِأَنْ قَالَ مَا أَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَطْ (لَمْ يَكُنْ نَاكِلًا) عَنْ الْيَمِينِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ (الْوَاجِبَ عَلَيْهِ) فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ.
قَالَ فِي النُّكَتِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ التَّغْلِيظُ إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ، وَطَلَبَهُ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ فِيهِ زَجْرٌ فَقَطْ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَإِنْ رَأَى حَاكِمٌ تَرْكَ التَّغْلِيظِ فَتَرَكَهُ، كَانَ مُصِيبًا؛ لِمُوَافَقَتِهِ مُطْلَقَ النَّصِّ. (وَلَا يَحْلِفُ بِطَلَاقٍ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ) قَالَهُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت وَلَا بِعَتَاقٍ، لِحَدِيثِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» (وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْوَالِي ذَلِكَ)؛ أَيْ: التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ آدَمِيٍّ، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ (بِعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمِهَنِ إذَا كَثُرُوا، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ انْتَهَى). (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى صَغِيرٍ، أَوْ ادَّعَى عَلَى مَجْنُونٍ؛ لَمْ يَحْلِفْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ الْقَلَمُ. (وَمَنْ حَلَفَ، وَاسْتَثْنَى) كَوَاللَّهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ حَلَفَ وَعَلَّقَ كوالله إنْ كَانَ وَقَعَ مِنْ زَيْدٍ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كَذَا (حَلَفَ ثَانِيًا) عَلَى الْبَتِّ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا التَّعْلِيقُ (كَمَا لَوْ حَلَفَ قَبْلَ سُؤَالِ مُدَّعٍ أَوْ حَاكِمٍ).
تَتِمَّةٌ:
مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هُوَ عَلَيْهِ- وَهُوَ مُعْسِرٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَيَمِينُ الْحَالِفِ عَلَى حَسْبِ جَوَابِهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ، أَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ فَإِنْ قَالَ مَا غَصَبْتُك، وَلَا اسْتَوْدَعَتْنِي، وَلَا بِعْتنِي، وَلَا أَقْرَضْتنِي؛ كُلِّفَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِيُطَابِقَ جَوَابَهُ، فَإِنْ قَالَ: مَالَك عَلَيَّ حَقٌّ، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَيْته وَلَا شَيْئًا مِنْهُ كَانَ جَوَابًا صَحِيحًا، وَلَا يُكَلَّفُ الْجَوَابُ عَنْ الْغَصْبِ وَغَيْرِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَصَبَ مِنْهُ، ثُمَّ رَدَّهُ وَكَذَلِكَ الْبَاقِي مِنْ الِاسْتِيدَاعِ وَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ: فَلَوْ كُلِّفَ جَحْدَ ذَلِكَ لَكَانَ كَاذِبًا مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَوَابٍ صَادِقٍ.

.كِتَابُ الْإِقْرَارِ:

وَهُوَ لُغَةً الِاعْتِرَافُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَقَرِّ، وَهُوَ الْمَكَانُ، كَأَنَّ الْمُقِرَّ جَعَلَ الْحَقَّ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْحَقِّ عَلَى وَجْهٍ مَنْفِيَّةٌ مِنْهُ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ كَذِبًا يَضُرُّهَا، وَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ فَلَا تُسْمَعُ مَعَ إقْرَارِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكْذَبَ مُدَّعٍ بَيِّنَتَهُ لَمْ تُسْمَعْ، وَلَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ أَقَرَّ، سُمِعَ إقْرَارُهُ. (وَهُوَ)؛ أَيْ: الْإِقْرَارُ شَرْعًا (إظْهَارُ مُكَلَّفٍ) لَا صَغِيرٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ وَمَجْنُونٍ؛ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ كَفِعْلِهِ (مُخْتَارٍ) لِمَفْهُومِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». وَكَالْبَيْعِ (مَا)؛ أَيْ: حَقًّا (عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُقِرُّ (سَفِيهًا وَيَتْبَعُ فِيهِ بَعْدَ رُشْدِهِ بِلَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ مَعْلُومَةٍ، أَوْ) إظْهَارِ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ مَا (عَلَى مُوَكِّلِهِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَقَبْضٍ، أَوْ مَا عَلَى مُوَلِّيه) مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَإِقْرَارِهِ بَيْعَ عَيْنِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ، لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ؛ أَوْ مَا عَلَى (مُورِثِهِ بِمَا)؛ أَيْ شَيْءٍ (يُمْكِنُ صِدْقُهُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَسِنُّهُ عِشْرُونَ سَنَةً فَمَا دُونَهَا. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ (بِيَدِهِ)؛ أَيْ: الْمُقِرِّ (وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى يَعْنِي أَوْ وِلَايَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ أَوْ كَوْنِ مُقِرٍّ (وَكِيلًا) فِي مُقَرٍّ بِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِشَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَجْنَبِيٌّ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ وَقَفَ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ؛ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي وِلَايَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ؛ كَأَنْ يُقِرَّ وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ أَوْ نَاظِرُ الْوَقْفِ أَنَّهُ أَجَّرَ عَقَارَهُ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ ذَلِكَ؛ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ، لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ يَكُونَ (مَعْلُومًا) فَيَصِحُّ بِالْمُجْمَلِ، وَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ، وَيَأْتِي وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ بِإِنْشَاءٍ بَلْ إخْبَارٌ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَيَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (وَلَوْ مَعَ إضَافَةِ الْمُقِرِّ الْمِلْكَ) إلَيْهِ كَقَوْلِهِ: عَبْدِي هَذَا أَوْ دَارِي لِزَيْدٍ؛ إذْ الْإِضَافَةُ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ؛ فَلَا تُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِ. وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِدَيْنٍ كَقَوْلِ مُقِرٍّ (دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَتَّجِهُ لَكِنْ) إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ (مَعَ إضَافَةِ مِلْكٍ) لِمُقَرٍّ لَهُ كَقَوْلِ مُقِرٍّ: دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ مِلْكٌ لِعَمْرٍو، وَلَوْ (مِنْ سَكْرَانَ) وَكَذَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ كَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ عَمْدًا بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ كَطَلَاقِهِ وَبَيْعِهِ (أَوْ مِنْ صَغِيرٍ مُمَيِّزٍ أَوْ قِنٍّ أُذِنَ لَهُمَا فِي تِجَارَةٍ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ) مِنْ الْمَالِ لِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا فِيهِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ (مِنْ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ) لِلْخَبَرِ. وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ (بِإِشَارَةِ مُعْتَقِلٍ لِسَانُهُ) لِأَنَّهُ كَالنَّاطِقِ، لِكَوْنِهِ يُرْتَجَى نُطْقُهُ. (وَتُقْبَلُ) مِنْ مُقِرٍّ وَنَحْوِهِ (دَعْوَى إكْرَاهٍ) عَلَى إقْرَارٍ (بِقَرِينَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى إكْرَاهٍ (كَتَهْدِيدِ قَادِرٍ) عَلَى مَا هَدَّدَ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ (وَتَرْسِيمٍ) عَلَيْهِ وَسَجْنِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي النُّكَتِ وَعَلَى هَذَا تَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَتْبُ حُجَّةٍ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ إكْرَاهٍ عَلَى بَيِّنَةِ طَوَاعِيَةٍ) لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِكْرَاهِ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ (وَلَوْ قَالَ مُقِرٌّ؛ أَيْ: مُقِرٌّ ظَاهِرُهُ الْإِكْرَاهُ بِقَرِينَةٍ) بِمُقْتَضَى تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (عَلِمْت أَنِّي لَوْ لَمْ أُقِرَّ أَيْضًا أَطْلَقُونِي، فَلَمْ أَكُنْ مُكْرَهًا؛ لَمْ يَصِحَّ) مِنْ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْهُ؛ فَلَا يُعَارِضُ يَقِينَ الْإِكْرَاهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ طَوْعًا. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ تَقَدَّمَ إلَى سُلْطَانٍ، فَهَدَّدَهُ، فَيُدْهَشُ، فَيُقِرُّ؛ يُؤْخَذُ بِهِ، فَيَرْجِعُ وَيَقُولُ: هَدَّدَنِي وَدُهِشْت يُؤْخَذُ وَمَا عِلْمُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْجَزَعِ وَالْفَزَعِ. (وَمَنْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِدِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِدِينَارٍ، أَوْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ لِزَيْدٍ فَأَقَرَّ لِعَمْرٍو) أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِدَارٍ، فَأَقَرَّ بِدَابَّةٍ وَنَحْوِهَا حَيْثُ أَقَرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ صَحَّ قَرَارُهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً، لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ، أَوْ أُكْرِهَ (عَلَى وَزْنِ مَالٍ) بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فَبَاعَ نَحْوَ دَارِهِ فِي ذَلِكَ) الْمَالِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِهِ (صَحَّ) الْبَيْعُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ (وَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ)؛ أَيْ: مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَيْهِ، وَلِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ. (وَيَصِحُّ إقْرَارُ صَبِيٍّ أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرًا) مِنْ السِّنِينَ يَعْنِي تَمَّتْ لَهُ، وَمِثْلُهُ جَارِيَةٌ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ؛ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. (وَلَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ إنَّهُ بَلَغَ (بِسِنٍّ)؛ أَيْ: تَمَّ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ جُهِلَ بُلُوغُهُ حَالَ إقْرَارِهِ (بِمَالٍ، أَوْ عَقَدَ عَقْدًا، وَقَالَ بَعْدَ تَحَقُّقِ بُلُوغِهِ: لَمْ أَكُنْ حِينَ إقْرَارِي) أَوْ حِينَ (عَقْدِي بَالِغًا؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ عَقَدَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ (وَأَمَّا قَبْلَ التَّحَقُّقِ)؛ أَيْ: قَبْلَ تَحَقُّقِ بُلُوغِهِ (فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا حِينَ الْإِقْرَارِ أَوْ الْعَقْدِ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ بُلُوغَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَصْلُ الصِّغَرُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا لَوْ أَمَّ) صَبِيٌّ بِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَكُنْ بَالِغًا حِين أَمَمْت، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ بُلُوغِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَقَبْلَ التَّحَقُّقِ يُقْبَلْ، وَيُعِيدُ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) (فِيمَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَادَّعَى الْبُلُوغَ لَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ (لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِبُلُوغٍ) بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ ارْتَجَعَهَا. قَالَ: وَهَذَا يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ؛ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِثْلُ الْإِسْلَامِ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ، أَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَكَانَ رَشِيدًا أَوْ بَعْدَ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ. (وَمَنْ) بَاعَ أَوْ أَقَرَّ وَنَحْوَهُ (ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أُنْبِتَ بِعِلَاجٍ أَوْ دَوَاءٍ لَا بِبُلُوغٍ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ، وَحُكِمَ بِبُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيه (أَوْ ادَّعَى جُنُونًا) حَالَ إقْرَارِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَاقِهِ وَنَحْوِهِ لِإِبْطَالِ مَا وَقَعَ مِنْهُ (لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَالْمَرِيضُ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ صُورَةِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ هَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَارِثِي وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ إرْثِهِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ ابْنِي أَوْ مَوْلَايَ، فَيَذْكُرُ سَبَبَ الْإِرْثِ، وَحِينَئِذٍ إذَا كَانَ سَبَبًا؛ اُعْتُبِرَ سَبَبُ الْإِمْكَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَأَنْ لَا يَدْفَعُ نَسَبًا مَعْرُوفًا انْتَهَى.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزَجِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِلَا بَيَانِ سَبَبٍ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ إرْثُهُ بِالرَّحِمِ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى أَصْلِنَا، فَالْإِقْرَارُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ. وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ بِأَخْذِ دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ وَارِثِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهِ، وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ (بِمَالٍ لَهُ)؛ أَيْ: لِغَيْرِ وَارِثِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ بِمَا يُرَادُ مِنْهُ؛ وَتَحَرِّي الصِّدْقِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ. (وَلَا يُحَاصُّ مُقِرٌّ لَهُ) فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ)؛ أَيْ: مَنْ أَقَرَّ لَهُمْ حَالَ صِحَّتِهِ، بَلْ يَبْدَأُ بِهِمْ، سَوَاءٌ أُخْبِرَ بِلُزُومِهِ لَهُ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَهُ، لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ كَإِقْرَارِ مُفْلِسٍ بِدَيْنٍ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ) مَرِيضٌ (فِي مَرَضِهِ) لِأَجْنَبِيٍّ (بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَكْسِهِ) بِأَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِعَيْنٍ (فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ) بِهَا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَالْإِقْرَارَ بِالْعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهَا؛ فَتَعَلُّقُهُ بِالذَّاتِ أَقْوَى، وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَ الْعَيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَمُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ الْمُقِرِّ لَهُ بِهَا. فَرْعٌ: إذَا خَافَ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُهُ ظُلْمًا أَوْ الْمَالُ الَّذِي بِيَدِهِ لِلنَّاسِ إمَّا بِحُجَّةِ أَنَّهُ مَيِّتٌ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ أَنَّهُ مَالُ غَائِبٍ أَوْ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا؛ جَازَ لَهُ الْإِقْرَارُ بِمَا يَدْفَعُ هَذَا الظُّلْمَ، وَيَحْفَظُ الْمَالَ لِصَاحِبِهِ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِحَاضِرٍ أَنَّهُ ابْنُهُ، أَوْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي بِيَدِهِ لِفُلَانٍ، وَيَتَأَوَّلُ فِي إقْرَارِهِ بِأَنْ يَعْنِي بِكَوْنِهِ ابْنَهُ صِغَرَهُ، أَوْ بِقَوْلِهِ أَخِي أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ بِقَوْلِهِ الَّذِي بِيَدِهِ لَهُ؛ أَيْ: لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِهِ؛ لِكَوْنِي قَدْ وَكَّلْته فِي إيصَالِهِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَنَحْوِهِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ أَمِينًا، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ تَلْجِئَةٌ تَفْسِيرُهُ كَذَا وَكَذَا. قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ مُلَخَّصًا. (وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ؛ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ لِلْعَبْدِ، وَلَمْ يُنْقَضَا بِإِقْرَارِهِ) بَعْدَ ذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُنْجَزٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا؛ فَلَا يَنْقُضُهُ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لَفَلْسٍ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ فَلَمْ يَنْقُضْ الدَّيْنُ عِتْقَهُ وَهِبَتَهُ كَالصَّحِيحِ. (وَإِنَّ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (بِمَالٍ لِوَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ بِهِ (بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ إجَازَةِ) بَاقِي الْوَرَثَةِ كَالْعَطِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُ؛ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ حَقًّا، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ (فَلَوْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا؛ لَزِمَهُ) نَصًّا (بِالزَّوْجِيَّةِ)؛ أَيْ: بِمُقْتَضَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَهْرِ وَوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، فَإِقْرَارُهُ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُوفِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فَأَخْبَرَ بِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ (بِإِقْرَارِهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ رَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ، أَوْ يُجِيزُوا لَهَا (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لَهَا)؛ أَيْ: لِزَوْجَتِهِ (بِدَيْنٍ، ثُمَّ أَبَانَهَا) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ لَهَا بِغَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُبِنْهَا، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْإِقْرَارِ، وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ. '' (وَإِنْ أَقَرَّتْ زَوْجَتُهُ الْمَرِيضَةُ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ (أَنَّهَا لَا مَهْرَ لَهَا) عَلَى زَوْجِهَا (لَمْ يَصِحَّ) إقْرَارُهَا؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءُ الْوَارِثِ فِي الْمَرَضِ؛ فَلِوَرَثَتِهَا مُطَالَبَتُهُ بِمَهْرٍ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ)؛ أَيْ: الْمَهْرَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، أَوْ يُقِيمَ بَيِّنَةً (بِإِسْقَاطِهِ) بِنَحْوِ حَوَالَةٍ وَكَذَا بِإِبْرَاءٍ فِي غَيْرِ مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ (وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَى وَارِثٍ) إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِبَرَاءَتِهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ صَحَّ) إقْرَارُهُ (لِلْأَجْنَبِيِّ) بِحِصَّتِهِ دُونَ الْوَارِثِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِلَفْظَيْنِ، أَوْ كَمَا لَوْ جَحَدَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَعْتَبِرْ لَهُ الْعَدَالَةُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ؛ قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ، لَا فِيمَا لَهُ، كَإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ فَتَبِينُ مِنْهُ؛ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ (وَالِاعْتِبَارُ) بِكَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ لَا (بِحَالَةِ إقْرَارِهِ) لِأَنَّهُ قَوْلٌ تُعْتَبَرُ فِيهِ التُّهْمَةُ؛ فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ وُجُودِهِ كَالشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ؛ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِمَا بِوَقْتِ الْمَوْتِ، وَتَقَدَّمَ. (فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالِ الْوَارِثِ) حَالَ إقْرَارِهِ (وَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ) كَمَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ، فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ، أَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ (لَمْ يَلْزَمْ) إقْرَارُهُ لِأَخِيهِ؛ لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ بِهِ حِينَ وُجُودِهِ؛ فَلَا يَنْقَلِبُ لَازِمًا. (وَإِنَّ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِغَيْرِ وَارِثٍ) كَأَخِيهِ مَعَ ابْنِهِ (لَزِمَ إقْرَارُهُ، وَلَوْ صَارَ) الْمُقِرُّ لَهُ وَارِثًا بِأَنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْمُقِرِّ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخٍ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مُقِرٍّ؛ لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَهْلِهِ خَالِيًا مِنْ التُّهْمَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا؛ وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ بِإِحْبَالِ أَمَتِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ.